متابعة / هانى حامد
مراقب عام اعلام مجلس الدفاع الوطنى
لقد شاءت الظروف ، أن أكون ، شاهد عيان على أحد أهم الحوارات ( العسكرية ) التى دارت داخل ( ثغرة الدفرسوار ) بين آخر القيادات المصرية التى قاتلت بداخلها ، على أمل تصفيتها ، وإستعادة الأوضاع على الضفة الغربية لقناة السويس .
لقد دار هذا الحوار فجر يوم ١٨ أكتوبر ، وفى مركز قيادة الفرقة ٢٣ مشاة ميكانيكي بين كل من (الشهيد) العميد ا.ح أحمد عبود الزمر ، قائد الفرقة ، وبين ( الجريح ) العقيد ا.ح حسن عبد الحميد قائد اللواء ٢٣ مدرع ، إحتياطى القيادة العامة ، وكنت حاضراً وشاهداً على هذا الحوار.
وبطبيعة الحال ، لم يكن يدور بخلد أحد من هذين القائدين ، أنهما ( وخلال ) ساعات قليلة ، ستسيل دمائهما ( الذكية ) ما بين شهيد وجريح ، ولو أنى - وأشهد الله - أحسست بداخلى ساعتها ، بأن شيئا ما سوف يحدث لأحد الرجلين ، من عمق المشاعر وصدق التمنيات لكل منهما للآخر ، لقد كان الحوار يوحى بأنه ( اللقاء الأخير ) بينهما ، وقد كان .
وأعود لأتذكر ، المشهد ،الذى كان فى الساعه الرابعة فجر يوم ١٨ أكتوبر ، وأنا أدخل خلف قائد اللواء ، خيمةً مركز القيادة ، لأرى لأول ، وآخر مرة ، العميدأ.ح أحمد الزمر قائد الفرقة ٣٣ مشاة ميكانيكي .
وجدت نفسى أمام رجل ( مهموم )
يرتدى ( چاكت نجاة ) الخاص بالعربات البرمائية ، وذلك ليتغلب على برودة الجو ، وكان الرجل مرهقاً ، وبعد أن رحب بِنَا بكلمات ( مقتضبة ) قال : تلقاكم يا حسن ملحقتوش السحور ، مشواركم طويل . فرد العقيد حسن ، نفطر على القناة يا فندم بإذن اللة ، فقال له : يا رب يا حسن .
وبعد برهة من اللقاء ، بدأ العميد الزمر الحوار قائلا : إحنا فى موقف حرج من يومين ياحسن . فقاطعه العقيد حسن قائلا : إية إللى حصل يا فندم ، ما إحنا كنّا ماشيين كويس قوى ، أية يا فندم إللى حصل ؟ ( وكررها أكثر من مرة )
وهنا توجه العميد الزمر إلى خريطة معلقة على جانب الخيمة ، وأخذ يشرح لنا الموقف كالأتى:-
أول إمبارح ، ليلة ١٦/١٥ عبرت القناة كتيبة دبابات وكتيبة مظلات إسرائيلى ، عبور ذاتى، ودمروا قاعدتين صوارخ وإختفوا فى الجناين ، والدبابات إللى عبرت ، كانت ( دبابات روسى ٧٦مم ) ورافعه أعلام مصرية ، والقيادة حللت الموقف على أنها قوة ( إغارة ) محدوده من ٧-١٠ دبابات ، وهترجع الشرق تانى .
إمبارح ١٧ ، يا حسن ، تبين وجود ( جيب ) للعدو فى الدفرسوار بحجم كبير ، مجموعة عمليات تقريبا ، وكلفنا اللواء ١١٦ مشاة ( ضمن خطة ) من الشرق والغرب ، للمنع من الشرق ، والتطهير من عندنا باللواء ١١٦ .
امبارح ، وأثناء تنفيذ الخطه ، حصلت مشكلتين ، فى قوات الشرق ، وعندنا . اللواء ١١٦ دخل كمين على طريق المعاهدة / أبو سلطان ، قبل ما يفتح تشكيل الهجوم - تصور - الكمين فى أرضنا - تصور - والخسائر كانت كبيرة ( وجعت قلبى والله) . واشتغلت معانا كتيبة مظلات ، ومجموعه صاعقة ، ومحصلش نجاح .
على فكرة يا حسن ،الأمريكان موجودين هنا فى الثغرة ، بمعدات جديدة ، ودبابات من الجسر الجوى ، داخلين بتقل مع إسرائيل .
وهنا ، قاطعه العقيد حسن ، هو حجم العدو أد أيه فى الجيب يا فندم ؟ فقال محدش يعرف ، كام بالظبط ، إنما تقديرى - ثلاثه لواءات مدرعة ولواء ميكانيكي .وتقديرى ، هيتحرك لواء بإتجاه الإسماعيليه ولواء على السويس ولواء هيأمن الكوبرى هنا .الأعداد بالظبط بتتغير، يا حسن .
وتساءل العقيد حسن عن المهمة ؟ فقال : الهجوم من خط أبو سلطان ، ومن خلال الاوضاع الحاليّه لبقايا اللواء ١١٦مشاة ، وباتجاه مطار الدفرسوار . خد الظرف ده فيه كل حاًجة ، جالى من الفريق الشاذلى ، وهو عند قائد الجيش دلوقتى . ساعه ( س ) الساعه ٨ تكون الشبوره راحت ، وتردداتى هى . ونظر لى وقال : إكتب يا إبنى ، وكتبت .وتعانق الرجلان ، وإنتهى الحوار ، وخرجنا من ( الخيمة ) إلى العربة الچيب.
وفى أقل من ٢٤ ساعة ، سقط العقيد حسن جريحا فوق دبابته ، وسقط العميد الزمر ، شهيدا عندما ، مرت ، فوق جسده الطاهر إحدى دبابات العدو ، فسوته بالأرض ،التى عاش حياًته مداًفعا عنها.
[ هذه قصة حوار ، لم ولن ، يفارقنى ] أردت أن أحكيها كما هى لتبقى من بعدي ، شاهدة للتاريخ .