اعلام سياسي محافظة أسيوط
لجأ العديد من الناس لتغيير الحقيقة، أو التحدث بشكل غير واضح وذلك بزعم أنهم يقربون المعنى. أو يسهلون الفكرة للمتلقي، رغم معرفتهم تمام المعرفة أن ما يفعلونه هو الكذب.
يظن الناس أن الكذب مجرد نوع من أنواع ملاءمة الواقع، أو وسيلة لتحسين الواقع؛ فنجد شابًّا فقيرًا، عندما يتزوج يقيم وليمة كبرى، ثم يظل سنوات عديدة يسدد قيمة هذه الوليمة، وذلك لمجرد أنه يكون مثله مثل الناس، والعجيب أن معظم الناس يقترضون لسنوات طويلة لمجرد أن يكونوا مثل غيرهم، وهذا نوع من أنواع الكذب …فالله
لا يكلف الانسان.
فوق طاقته، فمن يتابع المجتمع ويجد تلك العادات يظن أن معظم الناس أغنياء، وقادرون على إقامة أفخر الولائم، ولكن واقع الأمر مختلف، وهذا نوع من أنواع الكذب من وجهة نظري.
لماذا نكذب؟
وكما ذكرت مبررات الكذب، فللكذب وجوه كثيرة ومنها مثلًا من خلال سفري داخل مدن جمهورية مصر العربية (بلدي)، أفاجأ بأشخاص يكذبون ويكذبون بلا أي نوع من أنواع الندم على ذلك، بل أصبح الكذب طبيعيًّا، بل يتعجبون عندما أسألهم سؤالًا بسيطًا: “لماذا لا تقولون الحقيقة؟” فمثلًا، وأنا في القطار وأجد أحد الركاب يتحدث عبر الهاتف ليخاطب شخصًا آخر ويقول له انتظرني ستجدني عندك بعد ساعة كاملة، ثم يمر الوقت، ويعاود نفس الشخص الاتصال، فيرد عليه ويقول أنا في الطريق وستجدني عندك بعد ساعة بمشيئة الله.
والأمر هنا لا يقتصر على شخص واحد. أو رحلة واحدة، بل يكاد يتكرر عبر أشخاص مختلفين بعدة رحلات قمت بها. وعندما أسأل عن سبب الكذب، فأجد ردًّا غير مقنع بالنسبة لي، حيث يصر أحدهم أننا بالفعل قاربنا على الوصول، فيمر الوقت وأعاود السؤال، لم تصل محطتك رغم مرور أكثر من الوقت الذي قلته، فيصر أنه قارب على الوصول، ويأتي شخص آخر ليخبرني بسبب الكذب، وهو أن يجعل من يكلمه ينتظره، فلو أبلغه أن الوقت طويل قد يمل ولا يهتم، وهكذا أجد ردودًا ومبررات والكل يزين لنفسه الكذب دون أي إحساس بالذنب.
الكذب أسلوب حياة
وعندما أتحدث عن الكذب، فأنا لا أتهم المجتمع بالكذب، وأقولها بين قوسين (لا، بل ألف لا) ولكني فقط أرصد حالات للكذب، قد يراها البعض غير ذلك بحسن نية، وحسن النية لا يصلح من العمل السيئ، فمن خلال خبرتي في التعامل مع الناس، أجد فنونًا في الكذب، فعندما أسأل عن الساعة بالتحديد فأجد من يقولها بفارق سبعة دقائق، وعندما أكتشف ذلك وأسأل لماذا لم تقل عن الساعة بالضبط، فيقول حتى تستعجل أمورك بدلًا من أن تتكاسل!
هذا مبرر منطقي، لكن من غير المنطقي أن تكون كاذبًا، فما يدريك لماذا أسأل عن الساعة؟ ربما أحتاج معرفة الساعة بالدقيقة لأمر مهم، فبعض الأدوية تفرق معها التوقيتات، بل ونحن في مصر بصفة عامة نعاني معاناة شديدة بسبب المواصلات، فربما نحتاج لمشوار لا يكلف النصف ساعة، ربما ننتظر مواصلات لمدة تصل لأكثر من ساعة كاملة، وهذا الأمر لا يختلف سواء كنا في القاهرة العاصمة أو حتى في قرية بإحدى المحافظات بصعيد مصر، فتحديد التوقيت قد يكون مهم جدًّا، والدقيقة الواحدة قد توفر علينا عناء انتظار لأكثر من ساعة كاملة.
“يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانة والكذب” فالكذب ليس من أخلاق المؤمن الحق. “عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذابًا”. الأول الذي ذكرته يوضح أن المؤمن بشر ربما يبتلى بطبع ليس جيدًا، ولكن لا يطبع بطبع الكذب أو طبع الخيانة، قد يكون جبانًا، قد يضعف في مواقف معينة، لكن لا يكذب، ولا يخون. أما الصدق
فأعتبره بمثابة خريطة طريق للنجاة من النار والفوز بالجنة، فللجنة ممهدات ومنها الصدق، وللنار ممهدات ومنها الكذب.