• حذر الجنرال مارك ميلي، في الجيش الأمريكي، في نوفمبر 2021، من أن الصين تعمل «بشكل واضح ولا لبس فيه» على تطوير قدراتها العسكرية على غزو تايوان في المستقبل القريب. جاء ذلك التصريح في أعقاب تصريح آخر للرئيس الأمريكي، جو بايدن، أكد فيه أن بلاده لديها التزام واضح لحماية تايوان حال تعرضت الأخيرة لاجتياح صيني. وأثار هذا التعليق حفيظة بكين، التي ردت وزارة خارجيتها على بايدن، بتأكيد أنها لن تتنازل أو تقبل بأي تسويات فيما يتعلق بقضايا المصالح الرئيسية وسيادة وسلامة أراضيها، في إشارة إلى تايوان.
• يكشف كلا التصريحين عن وجود قلق حقيقي من إتجاه الصين لتعزيز قدراتها العسكرية بصورة تؤهلها ليس فقط لإجتياح تايوان، ولكن لتحييد التحركات العسكرية الأمريكية المضادة أثناء عملية الإجتياح هذه.
• قدرات عسكرية صينية متنامية
وفقاً للتقييمات الأمريكية، تهدف القدرات والمفاهيم المتطورة لجيش التحرير الشعبي الصيني إلى تعزيز قدرة الصين على «القتال والفوز بالحروب» ضد «عدو قوي»، في إشارة محتملة إلى الولايات المتحدة، وضم تايوان بالإكراه، فضلاً عن إجبار الدول ذات النزاعات الإقليمية مع الصين إلى التخلي عن مطالبها الإقليمية، بالإضافة إلى مواجهة تدخل أي طرف ثالث في نزاع على طول أطراف جمهورية الصين الشعبية، وأخيراً استعراض قوتها العسكرية على الصعيد العالمي.
• وقد إتجهت بكين مؤخراً للقيام بتجارب وتحركات عسكرية وامتلاك منظومات أسلحة متطورة، تؤشر على سعي بكين لامتلاك القدرات العسكرية الملائمةلإستعادة الجزيرة عسكرياً، ويمكن تفصيل مجمل هذه التحركات في التالي:
٭ تجربة صاروخية فرط صوتية لافتة . أطلقت بكين، في أغسطس 2021، صاروخاً من طراز «لونغ مارش» (المسيرة الطويلة)، وهو صاروخ فرط صوتي قادر على التحليق بسرعة تفوق سرعة الصوت بخمسة أضعاف، وهو التطور الذي «فاجأ الاستخبارات الأمريكية»، كما تمكنت بكين من إطلاق مقذوف من صاروخ فرط صوتي في يوليو الماضي. وعلى الرغم من أن الصاروخ الصيني قد أخطأ هدفه بحوالي 32 كيلومتراً، فإن التجربة كانت متقدمة، وتكشف عن قرب إنتهاء الصين من مرحلة التجارب، وبدء تصنيع صواريخ فرط صوتية لجيشها.
أولاً: أن الولايات المتحدة، وغيرها من الدول، طورت أنظمة دفاع جوي مضادة للصواريخ الباليستية والمجنحة، غير أنه لم يتم بعد تطوير أي أنظمة دفاع جوي مضادة للصواريخ الفرط الصوتية، القادرة على إسقاطها.
ثانياً: أن الولايات المتحدة أخفقت للمرة الثالثة على التوالي في إختبار نموذج صاروخ فرط صوتي جديد، وجاءت التجربة الأخيرة في 15 ديسمبر 2021، فقد كشف الضابط التنفيذي المسؤول عن برنامج «سلاح الرد السريع المطلق من الجو»، الجنرال هيث كولينز، بأن سلاح الجو الأمريكي أخفق في اختبار الصاروخ الذي يحمل اسم «إيه جي إم – 183 إيه» من قاذفة استراتيجية من طراز «بي- 52 ستراتوفورتريس».
ثالثاً: إن إختبار الصين لصاروخ أسرع من الصوت يستطيع إطلاق مقذوف في الجو في يوليو هي تقنية لا تمتلكها الولايات المتحدة ولا روسيا، في الوقت الحالي، وهو ما يكشف، وفقاً لمسؤولين أمريكيين، أن هذه الخطوة تظهر أن قدرات الصين أكبر مما هو معروف حتى الآن ، أي أنه في الوقت الذي أخفقت واشنطن في تطوير صاروخ فرط صوتي، على غرار روسيا والصين، فإن بكين قد خطت خطوة إضافية على هذا الدرب، بإطلاقها مقذوفاً من صاروخ فرط صوتي. وكشف الخبراء في«داربا»، وهي وكالة أبحاث البنتاجون، أنهم لا يعرفون كيف تمكنت الصين من إطلاق مقذوف من مركبة تطير بسرعة فرط صوتية»، أي أكثر من خمسة أضعاف سرعة الصوت. كما يجهل هؤلاء الخبراء طبيعالمقذوف الذي سقط في البحر. فلايزال الخبراء الأمريكيون منقسمون حيال طبيعة المقذوف، إذ يرى البعض أنه صاروخ جو/ جو، في حين يرى آخرون أن وظيفته التمويه لحماية الصاروخ الفرط صوتي في حالة تعرضه لتهديد.
رابعاً: أن التجربة الصينية تمت بالتزامن مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين بسبب تكثيف الأخيرة لأنشطتها العسكرية قرب تايوان، وهو ما يؤشر إلى أن بكين تهدف من تطوير هذه النوعية من الصواريخ إلى التأكيد لواشنطن على تطورها التكنولوجي،وإمتلاكها لقدرات تحد من تفوق واشنطن العسكري عليها.
•إستمرار بكين في تطوير قدراتها العسكري . إتبعت بكين أساليب الحرب الرمادية لتهديد تايوان، ومن ذلك على سبيل المثال، القيام بحملات شبه يومية من التدريبات العسكرية والدوريات والمراقبة التخويفية التي لا ترقى إلى مستوى المواجهات العسكرية المسلحة. وكثفت بكين، مؤخراً، من عدد الطائرات الحربية التي ترسلها إلى المجال الجوي حول تايوان. فقد نفذت بكين في منطقة تحديد الدفاع الجوي لجنوب غربي تايوان عدداً قياسياً من الطلعات بلغ 149 طلعة في أربعة أيام خلال احتفال الصين بعيدها الوطني. كما استخدمت الصين الرمال لردم المياه وتطويق جزر تايوان النائية. قامت بكين خلال الشهور الماضية ببناء موقعين للصواريخ النووية، فقد أظهرت صور الأقمار الاصطناعية الملتقطة من مقاطعة شنجيانج أن الموقع يمكن أن يستوعب حوالي (110) صوامع للصواريخ عندما يكتمل بناؤه، كما بنت (120) صومعة للصواريخ في موقع بمنطقة صحراوية في يومن بمقاطعة غانسو.
• وأكدت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» في 2020 أن الصين بصدد مضاعفة مخزونها من الرؤوس الحربية النووية، البالغ 200 رأس نووي حربي، كما ترفض الدخول في أي مفاوضات للحد من التسلح النووي مع الولايات المتحدة أو روسيا، نظراً لأن عدد الرؤوس النووية التي تمتلكها الصين تقل كثيراً عما تمتلكه الدولتان، إذ تمتلك الولايات المتحدة نحو 5800 رأس نووي في عام 2020، في حين تمتلك روسيا 6375 رأساً نووياً. ويمكن تفسير بناء الصين لصوامع جديدة على أساس رغبتها في توسيع قواتها النووية للحفاظ على وضعية الردع النووي بصورة تمكنها من الصمود في وجه ضربة نووية أمريكية أولى، والرد بأعداد كافية لهزيمة الدفاعات الصاروخية الأمريكية.
•كما لا تقتصر القدرات الصينية على بناء صوامع جديدة لصواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على حمل رؤوس نووية، بل أشار الأدميرال تشارلز ريتشارد الذي يقود القوات النووية الأمريكية أمام جلسة استماع في الكونغرس في أبريل 2021، إلى توسع الصين كذلك في بناء منصات إطلاق صواريخ متنقلة يمكن إخفاؤها بسهولة عن الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى إدخال البحرية الصينية غواصات جديدة قادرة على حمل أسلحة نووية لأسطولها المتنامي. وفي حالة تمكنت الصين من القيام بذلك، فإنها سوف تتمكن من تحييد قدرة واشنطن على التدخل في أي صراع عسكري ينشب بين الصين وتايوان.
• ومن جانب آخر تطور الصين نوعية جديدة من الصواريخ الباليستية، القادرة على حمل أكثر من رأس نووي واحد، والتي يمكن توجيه كل صاروخ منها لكي يمتلك القدرة على إصابة هدف محتمل، فيما يعرف باسم «مركبة إعادة الدخول المتعددة المستهدفة بشكل مستقل».
في مواجهة التحركات الصينية السابقة، والتقديرات الأمريكية المتشائمة حيال نوايا بكين تجاه تايوان، اتجهت تايبيه وواشنطن للرد على التحركات الصينية عبر اتباع الخطوات التالية:
• أعلنت الرئيسة التايوانية، تساي إينج وين، زيادة الإنفاق العسكري بـ(240 )مليار دولار تايواني )(8.69 مليار دولار أمريكي خلال السنوات الخمس المقبلة، بما يشمل الإنفاق على صواريخ جديدة، معتبرة أنها تحتاج بشكل عاجل إلى تطوير أسلحة، مع زيادة الصين ضغوطها العسكرية والدبلوماسية على الجزيرة، ملوّحة باستعادتها، ولو بالقوة.
• ولكن في حالة إجراء مقارنة بين الجيشين الصيني والتايواني، من حيث عدد القوات وحداثة القوات، فإن تايوان سوف تتخلف كثيراً عن الصين. فعلى الرغم من حصول تايوان على إمدادات منتظمة من الأسلحة التي تبلغ قيمتها المليارات من الولايات المتحدة، فإن الميزانية العسكرية الرسمية للصين وحدها تبلغ (16) ضعف الميزانية العسكرية التايوانية.
ومن حيث عدد القوات، فإن حجم الجيش الصيني يقدر بحوالي 2.2 مليون فرد، وذلك مقارنة بحوالي 170 ألف جندي فقط لجيش تايوان. أما في البحر، تمتلك الصين اليد العليا بالتأكيد، ففي حين أن الصين تقوم ببناء حاملة طائرات ثالثة، فإن تايوان تمتلك غواصتين، يعود تاريخهما إلى الثمانينات من القرن الماضي، أي أنه في المحصلة الأخيرة، فإن تايوان لن تكون قادرة على الوقوف في وجه أي عملية عسكرية لبكين لاحتلال الجزيرة بدون دعم خارجي.
• أكّد الرئيس الأمريكي جو بايدن في أواخر أكتوبر 2021، أن الولايات المتّحدة ستدافع عسكرياً عن تايوان إذا شنّت الصين هجوماً على هذه الجزيرة، وهي التصريحات التي انتقدتها الصين بشدة، مؤكدة أنها لن تساوم في مسألة تتعلق بالسيادة. ويبدو أن بايدن يسعى لتجنب الغموض الاستراتيجي، وهي السياسة التي ميزت السياسة الأمريكية تجاه تايوان، إذ كان من غير الواضح موقف واشنطن في حالة اتجهت بكين لغزو تايوان عسكرياً، وذلك على الرغم من أن واشنطن هي المزود الرئيسي لتايوان بالأسلحة.
وأمام الغضب الصيني، اضطرت واشنطن للتراجع عن تصريحات بايدن، فقد عاد البيت الأبيض ليؤكد أن السياسة الأمريكية المتبعة حيال تايوان لم تتغير، وأوضح أن «الرئيس لم يكن بصدد الإعلان عن أي تغيير في السياسة الأمريكية» حيال تايوان. وشدد البيت الأبيض على أنها لا تزال تقتدي بقانون العلاقات مع تايوان الصادر في عام 1979 الذي طالب فيه الكونجرس بأن توفر الولايات المتحدة السلاح للجزيرة للدفاع عن نفسها، لكنه ظل غامضاً حول إمكان تدخل واشنطن عسكرياً للدفاع عنها.
وتثار الشكوك حول قدرة واشنطن في الدفاع عن تايبيه في حالة مهاجمتها من الصين، فقد أشار ديفيد أوشمانك، مسؤول كبير سابق بوزارة الدفاع الأمريكية، ويقوم حالياً بالعمل على إدارة ألعاب الحرب للبنتاجون في مؤسسة راند، إلى أن فرص نجاح واشنطن في الدفاع عن بكين ضعيفة.
•• ففي ألعاب الحرب هذه، واجه «الفريق الأزرق»، الممثل للولايات المتحدة «الفريق الأحمر» الذي يمثل الصين. وفي هذه المحاكاة تم القضاء على القوات الجوية التايوانية في غضون دقائق، وتعرضت القواعد الجوية الأمريكية عبر المحيط الهادئ للهجوم، كما تم تحييد السفن الحربية والطائرات الأمريكية عبر الصواريخ الباليستية الصينية طويلة المدى. وأكد أوشمانك أنه: «حتى عندما تدخلت الفرق الزرقاء في المحاكاة وألعاب الحرب بطريقة حازمة، فإنها لا تنجح دائماً في دحر الغزو الصيني».
★ يمكن القول إن التحركات الصينية تكشف بوضوح عن اتجاه بكين لتطوير قدراتها العسكرية النووية والصاروخية بصورة قد تحيد التفوق الأمريكي خلال السنوات القادمة، وذلك على الرغم من أن التقديرات الأمريكية الراهنة تتحدث عن عجز الولايات المتحدة عن تحقيق نصر حاسم لردع أي هجمات صينية محتملة لاستعادة تايوان بالقوة العسكرية في الوقت الحالي.