google-site-verification=SO8o_ryRZ6ZApHp9w9lFKUxibjH7cWcxPFHb--FJ3Eg UA-230009156-1 الدولة المعاصرة وتأثرها بالثورة الرقميةالعالمية
recent
عاجل
الصفحة الرئيسية

الدولة المعاصرة وتأثرها بالثورة الرقميةالعالمية


★اللواء.أ.ح.سامى محمد شلتوت.

• إرتبط قيام الدولة منذ القدم بمفاهيم عديدة، أهمها مفهوم السيادة الذي يعتبر أساس التنظيم الدولي، والمحدد لحقوق الدول والتزاماتها، وما يرتبط به من أمن وإستقرار، غير أن التغير الذي طرأ على الساحة الدولية منذ بداية القرن الحادي والعشرين، مع بروز الثورة الرقمية وما أحدثته من تطورات كبيرة على مستوى النظم السياسية يعبر عن حركية متسارعة عملت على ترويض السيادة الوطنية وفقا لما يتطلبه العصر الرقمي الجديد، فبعد أن كان المنظور التقليدي يتضمن حق الدولة في فرض منطقها على حدود إقليمها في الداخل والخارج، فإن هذه الحقوق أخذت في الإنحسار في ظل العالم الرقمي، لتتصاعد بذلك المشكلات المرتبطة بإشكالية تراجع مفهوم السيادة الوطنية، وبروز ما يوحي بزوال الحدود الجغرافية التقليدية لصالح حدود جديدة فرضها العصر الرقمي الجديد.

• يهدف المقال للكشف عن مختلف التطورات التي رافقت الثورة الرقمية ، وإبراز التحديات التي باتت تفرضها على سيادة الدول التي تراجعت لصالح مفاهيم جديدة لا تعترف بالحدودالجغرافية ولا السياسية للدول، بل ترسم معالم جديدة  لقوى وسياسات القرن الحادي والعشرين، وهو ما دفعنا للتساؤل...
كيف أثرت الثورة الرقمية على مفهوم السيادة الوطنية للدول؟ وفيما تتمثل التحديات التي يفرضها العالم الرقمي على سيادة الدول وأمنها؟
• سيادة الدول في أزمنة الرقمنة. 
يعرف العالم في المرحلة الراهنة إلتباساً كبيراً على مستوى المفاهيم المؤسِّسة للكيانات الوطنية؛ والتي أصبحت تخضع لتحوّلات عميقة على مستوى سياقاتها الدلالية والتداولية، لاسيما ما تعلق منها بمنظومة العلاقات الدولية، وما تشهده من تحولات التطور المعلوماتي والتكنولوجي الكبير الذي كان له دور حاسم في خلخلة العناصر التي تشكل إسناداً مرجعياً لمفهوم سيادة الدول.
فقد شكّلت نهاية الصراع في أوروبا إثر معاهدة وستفاليا سنة 1648، بداية لميلاد القانون الدولي الأوربي ثم المعاصر، بعد أن أقرت بمبدأ سيادة الدول باعتبارها سلطةالدولة العليا والمطلقة على إقليمها،أي حق الدولة في ممارسة و ظائفها و صلاحياتها وإختصاصاتها داخل إقليمها القومي دون تدخل من أية دولة أخرى.
• ورغم أن مفهوم الأمن والسيادة الوطنية إرتبط منذ القدم بعوامل تقليدية ذات صلة بالجغرافيا، إلا أنه في ظل عولمة الاتصالات و تبادل المعلومات وسهولة إنتقالها بشكل عابر للجغرافيا، بات من الصعب القطع بفكرة السيطرة المطلقة على المعلومات نظراً للإرتباط والإندماج بالشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت)، فبرز مصطلح{السيادة الرقمية}كمصطلح جديد نسبياً، والذي قصد به دفاع بلد ما لإستعادة السيطرة على بياناته وبيانات مواطنيه. وفي الجانب العسكري، يشمل ذلك قدرة دولة على تطوير قدرات الأمن السيبراني الهجومية والدفاعية دون الإعتماد على التكنولوجيا أجنبية الصنع . وفي شقه الإقتصاديو، يشمل القضايا التي تمتد من فرض الضرائب على التكنولوجيا الكبيرة إلى إنشاء شركات ناشئة محلية.

• كما ظهر مصطلح السيادة الإفتراضية، والتي تعني تلك الجماعات ذات القومية والثقافة الواحدة، التي تفتقد وجود دولة رسمية تشملهم، حيث يمكنهم تأسيس شبكة إلكترونية تجمعهم في العالم الإفتراضي، يمارسون من خلالها نوعاً من السيادةالإفتراضية، وهو الأمر الذي ربما يكون له تأثير في إتجاه التأسيس الفعلي لدولتهم. مثل تأسيس الشبكة الكردية لأكراد سوريا،والعراق، وتركيا، وإيران كنوع من الإستقلال الظاهري.

• لذلك يرى طيف من الباحثين، أن عالم اليوم يعيش مرحلة جديدة من مراحل التغيير في هياكل بناء الدولة التقليدية، والتي ستؤدي إلى تراجع السيادة الوطنية وبروز ما يعرف بالدولة الرقمية، أو الإفتراضية . وفي هذه المرحلة سيتعين على الدول مع الوقت التنازل عن بعض من سيادتها و إستقلالها الكامل أمام ضربات العولمة، وستكون أقل عزلة و إنطواءً على نفسها،وأكثر مسامية، وسوف يتعين عليها أن تتقاسم مسرح السيادة الوطنية مع مواطنيها . بل ومع أفراد وأسر دولية من الخارج.

• أثر الثورة الرقمية على سيادة و أمن الدول..إزاء التطور التكنولوجي الذي يعرفه عالم اليوم، ظهر تحولا جذريا في مفهوم سيادة الدول ضمن حدودها الإقليمية المعروفة تاريخياً ، لصالح حدود جديدة ساهمت بسهولة في إنتهاك سيادة الدول وزعزعة أمنها وإستقرارها، الأمر الذي يرهن مستقبل السيادة الوطنية للدول في رأي كثير من الباحثين بسيناريوهات كثيرة، تشير جلها إلى إنحسار أو زوال ظاهرة السيادة الوطنية بمفهومها التقليدي على الساحة الدولية.

• وقد أدى العصر الرقمي الحديث إلى تراجع السيادة الوطنية في الوقت الراهن، حيث إمتزجت فيه التقنيات الرقمية مع الحياة اليومية للأفراد، وتداخلت فيه المفاهيم بين الفضاء الكوني الحسي والفضاء الرقمي غير المرئي، فتغيرت معها الثوابت التقليدية بعد أن أصبحت التكنولوجيا الرقمية وسيلة من وسائل القوة والتغيير، فخلقت بذلك مشكلة النفاذ السريع بعد أن ألغت الحدود وقربت المسافات، لتجعل من العالم قرية صغيرة لا تعترف بالسياسة ولا الجغرافيا.

• ولعل الميزة الكبرى التي توافرت عليها هذه الوسائط الجديدة، أنها مكّنت التنظيمات الإرهابية المتطرفة من الوصول بأفكارها ورسائلها إلى جمهور أوسع بكثير من أي وقت مضى متجاوزة الرقيب الفكري والرسمي، فأصبح من السهل على هؤلاء الإرهابيين تجنيد الشباب وإستقطابهم، لتتحول بذلك الإنترنت ومختلف الوسائط الإجتماعية إلى أرض خصبة ومجال آمن في تمويل الإرهاب وتجنيد الجماعات الإرهابية.

• تأسيسا عمّ سبق، يظهر جليا أن للهجمات الارهابية الأثر الكبير على أمن الدول وتراجع  سيادتها، خاصة بعد أن أدرك الارهابيون أهمية هذه التقنيات وامكانية استخدامها في غزو الدول الأخرى في ظل ضعف وجود رادع أو قوانين تمنع حدوثه في ظل بيئة رقمية منحت الإرهابي مجالا واسعا للقيام بجرائمه تحت غطاء سيبراني لا يكشف عن هويته.   

•إن الحديث عن مستقبل السيادة الوطنية يجرنا للتساؤل حول إحتمالات المستقبل؟ وإلى أي مدى يمكن القول بأن فكرة السيادة الوطنية بسبيلها الآن إلى التلاشي أو الإنهيار في ظل الثورة الرقمية؟.

تبعا لذلك، فإن الإجابة على هذا السؤال بشقيه يتمحور حول نقطتين:
٭ أولاهما أن الإتجاه نحو تقليص دور السيادة الوطنية في نطاق العلاقات الدولية المتبادلة سيأخذ في الإطراد والتزايد على الأقل خلال المستقبل المنظور، يعزى ذلك إلى كون العديد من التطورات التي سلفت الإشارة إليها لا تزال فعالة ومؤثرة في تشكيل بنية النظام الدولي في وضعه الراهن.

٭ أما النقطة الثانية، فإن التسليم بالإستنتاج السابق ينبغي ألا يفهم منه أن مبدأ السيادة الوطنية. وفكرة الدولة القومية من أساسها بسبيله إلى الإختفاء، فالراجح حتى الآن أن التطورات المرتبطة بالعصر الرقمي الجديد لن تأتي على المبدأ المذكور تماما.

• فالسيادة الوطنية ستظل باقية ما بقيت الدولة القومية ذاتها وتقديرنا أنه لم يجرؤ أحد حتى الآن على القول بأن هذه الدولة القومية ستنهار، بل إن العكس يبدو أنه الصحيح وأن أقصى ما يمكن لهذه التطورات الجارية أن تفعله هو أن تنال من طبيعة الوظائف أو الأدوار التي تضطلع بها الدولة، بالمقارنة بما كان عليه الحال في ظل النظام الدولي التقليدي، وطالما بقيت الدولة فستبقى معها رموزها الأساسية، ومنها مبدأ السيادة ولكن بعد تطويعه بما يتناسب والأوضاع والظروف الدولية المستحدثة.
الخاتمة

إن الثورة الرقمية وما تحمله من تطورات أصبحت تؤكد دخول العالم عصرا رقميا جديدا، لم تعد معه فكرة السيادة كما في القرن التاسع عشر، بل تغير مفهومها على نحو  بات يرهن مستقبل الدول وأمنها.

•فخطورة الثورة الرقمية الجديدة لم تعد تكمن في كونها مجرد حالة معرفية، إنما تتجلى في من يمتلك أدوات هذه القوة، لتحقيق أهداف خاصة تتعلق بضرب سيادة الدول وأمنها على كافة الأصعدة الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية… وغيرها، ومن ثمة فإن سيناريو إنحسار السيادة لا يزال قائما، حيث ستشهد السنوات القادمة تراجع ما يسمى بسيادة الدول على أراضيها بإتجاه دول إفتراضية وسيادة جزئية تتحكم بها الثورة المعلوماتية.و ما افرزته من تنظيمات إرهابية، لتكون السيادة القادمة ليس للجغرافيا السياسية بقدر ما ستكون للجغرافيا الإفتراضية، وستتحول الأنظمة السياسية القادمة إلى حكومات إلكترونية، فيما يمكن أن يطلق عليه بنهاية السيادة الوطنية وبداية الدولة الكونية الإفتراضية أو الرقمية.
author-img

الادارة العامة

تعليقات
    ليست هناك تعليقات

      الاسمبريد إلكترونيرسالة

      إعلام الدفاع الوطني المصري

      اعلام الدفاع الوطني - اعلام سياسي - ثقافي - اجتماعي - اقتصادي-فن ومشاهير