مدير اعلام الدفاع الوطني
على درجات سُلم مفروشًا بسجادِ مزركش صعد "مارك جرجس" بخطوات مُرتبكة، وذهن مُشتت، صوب منصة تكريم الطلاب؛ حيث اُستقبل بحفاوة كبيرة تليق بالطالب الأول على الثانوية الفنية بإيطاليا، وذلك عقب تفوقه في مجال تخصصه "الميكاترونكس" على مدار خمس سنوات متتالية- مدة دراسته الثانوية استطاع خلالها أن يجلب فرحة غامرة لأسرته القابعة في محافظة المنيا بصعيد مصر، بحصوله على مُعدل 100% "أنا الطالب الوحيد في إيطاليا الأول بمجال تخصصي 5 سنين"، يحكي الطالب المصري . قبل خمس سنوات، كان مارك طالبًا عاديًا في المدارس المصرية بالصعيد، لم يكن لديه خططًا حقيقة إزاء مستقبله سوى بحصوله على منحة دراسية من قِبل مؤسسة "مصر الخير" لاستكمال درسته الثانوية في إيطاليا؛ حيث تعلم اللغة الإيطالية التي أعانته على اختيار مجال تخصصه في الدراسة "الميكاترونكس هو مستقبل كل الصناعات؛ لأنه يشمل تخصصات كتير ما بين ميكانيكا وإلكترونيات وهندسة الطاقة والبرمجيات".
كان لصغر سن مارك أن يجعله يفتح قناة اتصال دائمة من إقليم "كالابريا" بجنوب إيطاليا-مكان إقامته- مع والده أستاذ النحت بجامعة المنيا في كل خطوة يخطوها، فلم يكن مُطمئنًا لذاك التخصص الحديث الذي لم يسمع به الكثيرون "الميكاترونكس معروف في العالم من ٧ او ٨ سنين بس"، فأوضح ذلك لأبيه من خلال قراءاته للعديد من المقالات التي عثر عليها عبر الانترنت "مستوايا في اللغة الإيطالية وقتها مكنني من كتابة مقالة كاملة"، فأبدى أستاذ النحت موافقته على مضض، فيما سارع الشاب الصغير في التعمق بمجاله. مُناخ متغير، وأناس ذوى طباع مختلفة، ونظام دراسي غير مألوف، كان لكل هذه الظروف أن تُصيب الشاب الصغير بحالة من التشتت خاصة في الثلاثة أعوام الأولى من ذهابه إلى إيطاليا " الوضع كان صعب في الأول، بس بالتدريج وبفضل تقوية اللغة قدرت أتعرف أكتر على الثقافة الإيطالية، وأندمج فيها، وأوصلّهم ثقافتي المصرية"، التي تعرف أيضًا عليها هناك، وكذا تعرف على الرموز المصرية التي تركت بصمة عالمية "عشقت مجدي يعقوب وهاني عازر، وخليتهم قدوة قدامي دايمًا". انخرط ابن محافظة المنيا في مجال تخصصه، أصابته دهشة كلما تعمق فيه، عشق تجاربه الأولى في صناعة "ربوت" بيديه، قفز فرحًا بنجاحه في إعداد برنامجًا كاملًا من اختراعه، حصد درجات عالية "إتكرمت كل سنة لحصولي على المركز الأول في الميكاترونكس بإيطاليا كلها"، فحظي بحب واحترام معلميه الذين هموا لتقديم المساعدة وإسداء النصائح دون أن يطلبها، فغُمر بدفء أسري عِوضًا عن تلك الوحشة التي كانت تتملكها بعيدًا عن أسرته. أدرك نجل النحات المصري قيمة تلك المنحة التي حصل عليها، فاجتهد في دراسته المختلفة كل الاختلاف عن الدراسة المصرية "في إيطاليا مفيش حاجة اسمها امتحانات شهرية أو بالترم هنا السنة كلها امتحانات أسبوعية"، ما حمله على تنظيم وقته وتحديد أولوياته "كنت باخد دروسي التقليدية في المدرسة، وأرجع أحدد المواد إللي المفروض أذاكرها"، غير أنه كان يعتريه لحظات من الضيق للوحشة التي تملكته أحيانًا كثيرة "بسبب بعد أسرتي عني"، تلك التي كانت تدعمه من خارج الحدود دومًا. تكريم تلو الآخر ناله مارك، فتملكه شعورًا ممزوجًا بالقلق والحماس معًا، لاقتراب تحقيق الهدف وضرورة صب جم تركيزه عليه "نفسي أحقق حاجة عظيمة في الهندسة زي هاني عازر"، تأكد لديه ذلك عشية عودته إلى القاهرة وانتهائه من الامتحانات "المدرسين كانوا بيودعوني وقالولي أني جبت 100%"، لم يستوعب ما قالوه، هرول ليخبر أهله، أصابتهم فرحة عارمة "قالوا لي انهم فخورين بيا جدًا، مستنيين مني شهادة الدكتوراة في ايطاليا زي والدي في مصر". لم ينهمك مارك جرجس في فرحته كثيرًا، إذ استفاق سريعًا، أدرك "لغاية دلوقتي حاسس إن دي حاجة بسيطة، لسه عندي أحلام أكبر "، يعددها بثقة واضحة "بكالوريوس الهندسة في إيطاليا والماجيستير في ألمانيا"، على غرار المهندس المصري "هاني عازر" الذي أشرف على بناء محطة قطار برلين "بعتبر سيرته حافز ليا عشان أكون وجهة لمصر زيه".
منقول ...